الموت مقابل الخبز
ناجي سلطان الزهيري
علي بائع الشاي قدم من مدينة قلعة سكر التابعة لمحافظة ذي قار ، جاء الى بغداد ليوفر الخبزة لعائلته المكونة من خمسةِ اشخاص ، بالقرب من قلعة سكر آبار نفط تنتج مئات الآلاف من براميل النفط يومياً ، أموال النفط تذهب الى جيوب الفاسدين والى مدن ومناطق بعيدة عن جغرافية هذه الآبار ، العمالة فيها من الماليزيين وغيرهم من الأجانب ، لم تسنح فرصة لعلي ليعمل في احد الحقول النفطية فقد أكتشفت لتكون مصدراً مالياً لغيره ، علي ذهب الى بغداد وترك خلفه عائلة لاتملك بيتاً حتى ان فاتحته أُقيمت في بيت عمّه ، ترك أباً يعمل في ( مسطَر ) العمّالة ، تسعة عشر عاماً عُمرُ علي الجميل شكلاً والأجمل في قلب وعقل أبيه وأمّه ، حتماً ان والدة علي رشّت المال خلفه عندما خرج من البيت متجهاً الى بغداد ومع الماء جملة ( وداعة الله يمّه ) ، الجملة التقليدية لأمهاتنا اللواتي شبِعن ( بواجي ) طيلة سنوات العمر ، حروب اشترك فيها الآباء والأزواج والإخوة والأبناء ، أمهاتنا لايُفصلنّ ثياباً ملونه لأن السواد مستمر من ( دورة سنة ) الى أخرى ، يلبسن السواد حتى على الجيران ، ولا يكاد يمر اربعين المتوفي أو ( دورة السنة ) حتى يُفجعن بمصيبة أخرى ، لذلك كل ملابسهن باللون الأسود ، علي ليس استثناءً فمثله الآلاف الذين قُتلوا بمثل هذه الطريقة الإجرامية البشعة ، لكن ذاكرتنا ضعيفة للأسف ، مئات التفجيرات شهدتها مساطر العمال والمقاهي والمطاعم والأسواق ومجالس العزاء وحتى الأعراس ، في تفجير واحد في الكرادة ذهب اكثر من ثلاثمئة شاب كان يعمل من أجل ان يجلب خبزة الى أهله كما هو علي ابن قلعة سكر ، وكم علي قادم يا أيها الموت الذي لايتعامل بالمفرد في بلادي إلا بالجملة إرضاءً لنزوات أو أجندات إجرامية محترفة ، كم أُم ستُفجع كما أم علي ، لماذا نموت في غير اوقاتنا الطبيعية التي منحها لنا الله كما الناس في العام الآخر خارج العراق ؟ يا أيها القتلة المجرمون ماذا تُريدون منّا بعد ، لم يزاودكم أحد على شيء ، النفط ؟ انتم تأخذونه ، تأخذونه منذ ان جئتم الى السلطة كما كان يفعل من هو قبلكم ، ألا يكفيكم النفط وامواله ؟ ألا يكفيكم القصور والجواري والجكسارات والمصفحات والطائرات الخاصة وليالي الأُنس ، لماذا لاتتركون علي يُبيع الشاي ليرسل كم ديناراً يشتروا به الخبز الى إخوانه وأخواته ، الشاي بربع دينار أيها القتلة ، حتى هذا الربع تُريدون ان تستولوا عليه ؟ من أي طينة انتم ؟ اي نذالة وخسة مزجت بنطفكم القذرة ؟ يا أيها الساسةُ الأنجاس من اليمين الى اليسار ومن الخلف الى الأمام ، بكل مسمياتكم القبيحة النتنه ، كلكم ولا استثناء ، دمُ علي ومن معه ومن قبله ومن بعده برقابكم مع سبق الإصرار ، دمُ علي وزملاءه سيلاحقكم وحتماً ستكون نهاياتكم كنهاية من كان قبلكم من الجبابرة والطغاة .
ماتَ السيّد
ناجي سلطان الزهيري
الشعوب تُعرف بمواقفها ، والمواقف صور حيّة لاتحتاج الى تفسير وتأويل ، فهي تنقل إليك الحقيقة بالصوت والصورة كما يُقال ، الكرم والشجاعة والإباء والنخوة صفات ليست غريبة على ابناء الجنوب العراقي فهي صفات ملازمة لهم وقد كُتب عنها الكثير حتى من الرحالة والمستشرقين ، قضاء الفهود يقع في قلب اهوار الجنوب العراقي ضمن محافظة ذي قار ، سكانه يُقدّر عددهم بتسعين الف نسمة ( حسب التعداد المُقدّر عام ٢٠٠٩ ) ، المدينة ليست بأحسن حالٍ من زميلاتها مدن الجنوب من إهمال حكومي وانعدام الخدمات ، لكنها رغم ذلك كانت معقلاً للثوار والمناضلين، إبتداءً من مقاومة الإستعمار التركي والبريطاني، مروراً بإنتفاضة نهاية السبعينات ( دعوة الشهيد الصدر الأول ) الى انتفاضة ١٩٩١ المجيدة التي كان لأبناء الفهود فيها دور محوري ، مدينة الفهود كالمدن العراقية الأخرى آوت بكل حب عدداً من الإخوة المصريين الذين استقدموا ايام الحرب العراقية الإيرانية لتعويض النقص الحاصل بالأيدي العراقية العاملة بسبب تجنيد الشباب العراقي لماكنة الحرب ، بعد احداث غزو الكويت عاد أغلب المصريين الى بلدهم ولم يتبقَّ منهم إلا أفراد متوزعون على المدن العراقية ، بقي في مدينة الفهود ثلاثة من المصريين، فضلوا البقاء والعيش مع ابناء المدينة على العودة الى مصر ، هم ( رشاد المصري ، سيد المصري ، وثالث تزوج من عشيرة العمايرة وبنى له بيتاً وانجب اطفالاً ) . سيد المصري ، هو ( سيد محمد ياسين محمد المصري ) تولد المنصورة ١٩٦١، دخل العراق عام ١٩٨٤ ، عمل صبّاغاً مع مجموعة من المصريين في مدينة الفهود ، صار جزءاً من ابناء المدينة ، يعمل نهاراً ويسكن ليلاً عند السيد ( مجيد عاشور ) يرتاد مقاهي المدينة كأبنائها ، يتردد على (مقهى صالح) و(مقهى ابو وضاح) ، احبه ابناء المدينة بشدة وأحبهم هو كما احبوه ، كانوا يعدونه أحد ابنائهم وأكثر من ذلك، سيد المصري يرتاد الدواوين والمضائف ويحضر المناسبات ويعرف كل تفاصيل المدينة واهلها وشيوخها ووجهائها مثلما يعرفونه هم ، كان يقول دائماً ( انتم أهلي ) ، ( أنا من الفهود ) ، سيد المصري يتقن لهجة ابناء الهور ومفرداتها الصعبة ، لكنته المصرية على حالها لم تتغيّر ، عشقته الفهود وعشقها ، قبل مدّة مَرِض سيد المصري، فمرض معه ابناء المدينة ، احتضنه في مرضه السيد جليل الحمداني ( صاحب مقهى ابو وضّاح ) ، لم تنقطع عنه زيارات ابناء المدينة رغم جائحة كورونا ، كان يتواصل مع أهله في مصر عبر الواتساب ، كتب شاعر الفهود المبدع صبار العامري قصيدة عن مرض سيد المصري
( حسبات ليلك وحدك تگضيها ،
حسرة الغربه اومصر ماناسيها ،
مابين گهوة صالح أو غرفه ابلوك ،
بين اهلك الماتو وبد ماشافوك ،
حته الگرابه اوداعتك ماعرفوك ،
يالسيد المصري المرض تاليها) ،
أوصى سيد المصري أن يُدفن في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف بجوار سيد النبلاء الإمام علي ابن ابي طالب عليه السلام ، مات سيد المصري يوم الإثنين ٢٠٢١/٢/١ ، فحزنت مدينة الفهود وتوشحت بالسواد ، خمسة مجالس للعزاء وتشييع مهيب لم يبقَ أحدٌ من ابناء الفهود إلا وشارك بالتشييع ، ذبحوا الذبائح وبذلوا الطعام ثواباً على روحه الطاهرة ، لم يكد ينتهي مجلس عزاء حتى يبدأ الآخر ، ودّعوا ابنهم وحبيبهم سيد المصري بالدموع والحزن ، موقف تاريخي جديد تسجله مدينة الفهود وتبعث من خلاله رسالة الى من يهمه الأمر ، هؤلاء نحن، كنّا ومازلنا نتعامل بهذه القيم التي رسمها لنا ديننا الحنيف وأئمتنا الأطهار واجدادنا الأبرار ولم نتأثر يوماً بالأصوات النشاز والإعلام الأصفر الذي حاول ان يزرع بذور الطائفية المقيتة التي لم يكن لها مكانٌ في مدننا وقبائلنا يوماً من الأيام ، مدينة الفهود مثال حي للإنسانية والشهامة ، شكراً لكم يا أبناء الفهود ورحم الله سيد المصري .
حكومة الكهرباء
بقلم : ناجي سلطان الزهيري
حال الكهرباء في العراق تختصر الكثير اذا لم يكن جميع المحن والمشاكل في العراق حتى من ناحية الإشاعات والمؤامرات والجدل والنقاشات والعلاقة مع الدولة ، أمر الكهرباء في العراق قديم جديد ويتجدد كل عام بداية الشهر الخامس صعوداً والحال هذا العام كما في الأعوام التي سبقته واعتقد سيبقى مع بقاء هذه الطبقة السياسية المنقطة عن مشاكل المواطن كإنقطاع التيار الكهربائي في الصيف ، مليارات ومليارات ومليارات والحال كما هو ، البعض يعزوا ذلك للمؤامرة والبعض للفساد والبعض لعدم الخبرة والبعض للمقصودية وووو ، لكن الحقيقة الأكيدة ان الوضع كما هو لم يتغير واعتقد لن يتغير ، الكهرباء أحد أهم أسباب حقد المواطن على الحكومة والطبقة السياسية لأنها تعني كل شيء بالنسبة للمواطن وتنعكس حتى على حالته النفسية ووضعه الإقتصادي وعمله وراحته ، والإزعاج الذي تتسببه محنة الكهرباء تجعل الإنسان متوتراً وغير مستقر حتى في منامه من حديث ( إجت الكهرباء انقطعت الكهرباء ، حوّل المولد إنقطع المولد ، عاطل مولد الشارع ، شغل مولد البيت ، بدل دهن ، جيب بانزين ، عطل المولد ، شغّل العاكس عطل الباتري اشتري باتري ) كل هذا صراع يومي تعيشه كل العائلة صغيراً وكبيراً وينتج عنه كذلك مصاريف اضافية ترهق المواطن البسيط ومتوسط الدخل ، وضع الكهرباء في العراق هو انعكاس للوضع العام في العراق فمتى يستقر وضعها يستقر وضع العراق بصورة عامة وكما هو الحال الذي ذكرته بين قوسين أعلاه فهو مشابه لهذا ( فاز فلان خسر فلان ، اجتمع فلان مع فلان ، اتهام فلان من قبل فلان ، سيتحالف فلان مع فلان ، صرّح فلان وغرّد فلان ، وووو) وسيبقى فلان وفلان لاتنقطع عندهم الكهرباء و ( مريشين ) ويبقى المگرود فلان وفلان يتنقل بين ( الوطنية ) ومولد الشارع ومولد البيت والعاكس والظلمة والحر ، وفلان مايدري بضيم فلان .
ترامب والخليج العربي: سياسة الصفقات والهيمنة بواجهة براجماتية
ناجي الغزي/ باحث سياسي واقتصادي
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، عاد إلى الواجهة نمط فريد من السياسات الخارجية الأمريكية، قائم على إعادة تعريف مفاهيم التحالف، والهيمنة، والردع، بعيداً عن الخطاب الليبرالي التقليدي الذي ساد خلال الإدارات الديمقراطية. السياسة التي يتبعها ترامب في الشرق الأوسط، وفي الخليج العربي تحديدًا، ليست وليدة فراغ، بل هي امتداد لمنظومة فكرية تنظر للعالم من زاوية “الربح والخسارة”، وتعامل الحلفاء بمنطق المقاول، لا الحليف الاستراتيجي.
سأقدم في هذه الورقة تحليلاً مركزاً ومركباً لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج (السعودية، الإمارات، وقطر) كأول محطة خارجية له في ولايته الثانية، والتي تبدأ في 13 مايو. وهذا الحدث يحمل في طياته دلالات سياسية واقتصادية واستراتيجية كبيرة تستحق الوقوف عندها بعناية.
*أولاً: من الشراكة إلى الاستثمار *
منذ ولايته الأولى، نظر ترامب إلى دول الخليج كمصدر مزدوج: المال والنفوذ الجيوسياسي. فهو يرى في هذه الدول شريكاً لا يملك خياراً سوى شراء الحماية الأمريكية، ودفع ثمن الاستقرار الإقليمي الذي توفره واشنطن.
لكن الجديد في ولايته الثانية هو تبلور هذه الرؤية ضمن إطار أكثر صراحة، حيث أصبحت العلاقة الأمنية/الاقتصادية خاضعة لمعادلة تجارية بحتة: كل دعم سياسي أو أمني أمريكي يقابله عائد اقتصادي واضح. ومن هنا، برزت مفاهيم مثل: الحماية مقابل الدفع”و “السلاح مقابل الولاء”، و “الضغط مقابل الاستثمار”.
*ثانياً: ما الذي يريده ترامب؟*
الجواب الأبسط: المال. والجواب الأعمق: المال والمجد.
قالها صراحة، في أكثر من مناسبة: “نحن نحمي هذه الدول، وهم يجب أن يدفعوا.” من وجهة نظر ترامب، دول الخليج تملك أكثر مما ينبغي، ولا ضير من أن تسهم في دعم “أعظم اقتصاد في التاريخ”، كما يصفه. من هنا، لا يخفي أن زيارته تستهدف مئات المليارات من الدولارات في شكل صفقات سلاح، عقود بنية تحتية، واستثمارات مباشرة في السوق الأمريكية.
السعودية تعهدت باستثمارات تتجاوز 600 مليار دولار وترامب طلب منها ترليون دولار. الإمارات أعلنت عن خطة لاستثمار 1.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل. وقطر، بدورها، تتحرك في الاتجاه نفسه، مع رغبة في توسيع استثماراتها في التكنولوجيا، والطاقة، والتعليم.
لكن، هل الأمر مجرد عقود؟ بالطبع لا. فترامب، رجل الأعمال، يرى في هذه الزيارة فرصة ليس فقط لإغراق الشركات الأمريكية بالأرباح، بل لتعزيز صورته كصانع للصفقات، وكقائدٍ يعيد بلاده إلى صدارة المشهد العالمي.
*ثالثاً: وماذا تريد دول الخليج؟*
الجواب هنا معقد، لكنه يدور حول محورين: *الأمن والاقتصاد*.
على الصعيد الأمني، لا تزال دول الخليج تبحث عن مظلة أمريكية تحميها من التهديدات المحيطة: إيران، الفوضى في اليمن، تصدعات العراق وسوريا، وحتى تطلعات تركيا في العمق العربي. اتفاقيات دفاع مشترك، صفقات تسلح ضخمة، وقواعد عسكرية أمريكية ثابتة أو متنقلة، كلها مطروحة على الطاولة.
أما على صعيد الاقتصاد، فالمعادلة تتغير. لم تعد دول الخليج تكتفي بتصدير النفط واستثمار الفائض. الآن، هناك طموحات لتأسيس اقتصادات قائمة على التكنولوجيا المتقدمة: الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، التقنيات النووية المدنية، البنية التحتية الذكية، والعملات الرقمية. وكل ذلك يتطلب ما لا تملكه هذه الدول: التكنولوجيا، والمعرفة، والدعم السياسي من واشنطن.
*رابعاً: السعودية: النووي أولاً*
ربما يكون الطلب السعودي هو الأكثر وضوحاً وإثارة للجدل: دعم أمريكي غير مشروط لتطوير برنامج نووي مدني، دون ربطه بالتطبيع مع إسرائيل. إدارة بايدن كانت قد وضعت “السلام أولاً”، أما إدارة ترامب الثانية، فهي أكثر مرونة… أو أكثر اهتماماً بالمقابل المالي.
الرياض، التي تطالب منذ سنوات بهذا البرنامج، ترى في ترامب فرصة ذهبية. رجل لا يهتم بالشروط السياسية المعقدة، بل يقيس الأمور بحجم العقود وحجم الإنجاز الذي يمكن أن يسوقه لجمهوره في الداخل.
*خامساً: إسرائيل وإيران: بين الصمت والقلق*
إسرائيل وإيران، وكلٌّ منهما يرى في التحركات الأمريكية فرصةً وتحدياً في آنٍ واحد. فإسرائيل، الغارقة في أزمة سياسية داخلية تحت حكومة يمينية متطرفة، تنظر إلى ترامب باعتباره حليفاً موثوقاً يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، لكنها تخشى من أن ينخرط في “صفقة كبرى” مع العرب أو إيران تتجاوز مصالحها الأمنية والاستراتيجية.
من جهتها، تتابع إيران التطورات بقلق بالغ، خاصة في ظل استمرار سياسة “الضغط الأقصى” التي تعتمدها إدارة ترامب، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والتحالفات الإقليمية مع دول كالسعودية والإمارات وإسرائيل. ورغم خطابه العدائي الظاهري تجاه طهران، إلا أن ترامب لا يسعى – حتى الآن – إلى مواجهة عسكرية مباشرة، بل يفضل الضغط والتفاوض من موقع قوة، ضمن منطق صفقات لا أيديولوجيات.
ففي حين يُظهر ترامب استعداده للقاء خصومه إذا توفرت شروط “الصفقة المثالية” كما فعل بلقائه التاريخي مع كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية عام 2019 .
وبالتالي، فإن سياسة ترامب في المنطقة لا تسعى إلى حل شامل للنزاعات، بل إلى تثبيت وقائع جديدة تُعيد تعريف الأمن الإقليمي انطلاقاً من مصالح ثلاثية: أمن إسرائيل، احتواء إيران، واستقطاب أموال الخليج. في هذا السياق، لا تُستبعد تسويات تكتيكية، أو حتى تفاهمات جزئية مع طهران، إذا ما حققت مكاسب اقتصادية وجيوسياسية واضحة، دون أن تمس بمكانة إسرائيل أو تفتح الباب مجدداً أمام حل الدولتين.
*سادساً: تفكيك المنظومات الجماعية وتفضيل العلاقات الثنائية*
من سمات استراتيجية ترامب الخارجية تفكيك النماذج الجماعية (مثل مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، وحتى حلف الناتو) لصالح العلاقات الثنائية، حيث يمكنه فرض شروط أفضل وخلق تبعية مباشرة.
على سبيل المثال، تعززت العلاقات الأمريكية مع الإمارات والسعودية بشكل فردي، بعيداً عن أي إطار خليجي مشترك. والهدف: تحقيق نفوذ مباشر دون وسطاء، وخلق مساحات تفاوض مرنة تخدم أولويات ترامب دون التزامات جماعية.
*سابعاً: الخليج كمنصة لصفقات كبرى في الطاقة والبنية التحتية*
تتحول المنطقة تدريجياً إلى مسرح للتنافس العالمي على موارد الطاقة الجديدة والتكنولوجيا. ترامب، بعقليته الاقتصادية، يرى في الخليج فرصاً هائلة: مثل خصخصة أرامكو، ومشاريع نيوم، والتحولات في الإمارات نحو الطاقة المتجددة، والاستثمارات السيادية الخليجية في الأسواق الأمريكية.
كلها تمثل محاور اهتمام استراتيجي لإدارته. ومن هنا، لم تعد العلاقة محصورة في السلاح والنفط، بل اتسعت إلى قطاعات مثل التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والنقل الذكي.
*ثامناً: تجاهل الديمقراطية وتوظيف الاستقرار السلطوي*
على عكس الإدارات الديمقراطية، لا يهتم ترامب بسجل حقوق الإنسان أو الحريات السياسية في الدول العربية. بل هو يفضل الأنظمة “المستقرة”، حتى لو كانت سلطوية، لأنها تضمن مصالح واشنطن وتبرم الصفقات بسلاسة.
بالتالي، فإن دعم الولايات المتحدة لدول الخليج في ظل ترامب يأتي خالياً من أي شروط سياسية تتعلق بالإصلاح، أو الحقوق، أو الديمقراطية.
*تاسعاً: المنظور الاستراتيجي بعيد المدى*
رغم ما يبدو من براغماتية مفرطة، إلا أن سياسة ترامب تجاه الخليج تحمل رؤية استراتيجية أبعد من مجرد صفقات مؤقتة. فهو يهدف إلى:
• إعادة تعريف الوجود الأمريكي في المنطقة من الوجود العسكري التقليدي إلى الوجود الاقتصادي والتكنولوجي.
• احتواء الصعود الصيني في الخليج وإفريقيا.
• خلق بنية أمنية إقليمية تقودها واشنطن وتموّلها العواصم الخليجية.
• إحلال نمط جديد من “الاستعمار الناعم” يقوم على السيطرة الاقتصادية والنفوذ المالي بدل الاحتلال أو التدخل العسكري المباشر.
*عاشراً: الخليج في عقل ترامب – بين الفرصة والتبعية*
بعيون ترامب، لا تمثل المنطقة العربية عبئاً، بل فرصة: فرصة لبناء مجد شخصي، وإنجاز اقتصادي، ونفوذ عالمي بأقل تكلفة.
أما الخليج، فبالنسبة له، هو المختبر المثالي لسياسة أمريكية جديدة: لا تقوم على المبادئ ولا على العقائد، بل على منطق بسيط ومباشر: من يدفع أكثر، ينل أكثر.
إنها سياسة صفقات… لكنها، رغم سذاجتها الظاهرة، تحمل ملامح تحوّل عميق في طبيعة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وربما في طبيعة التحالفات الإقليمية كلها.
نظرة فلسفية – الفراغ الفكري و ثلاثية العصبيات – في المجتمعات العربية.
اعداد ؛ صادق الصافي
يتجنب الباحثون و المفكرون الخوض في الجدل الفكري والحديث بدقة و شفافية عن الأصولية الرجعية وأثرها و الاسباب الحقيقية للتخلف في المجتمعات العربية، عندما يتناول الباحث – المفكر هذا الموضوع بحرص وعناية نقدية بقصد الإصلاح المجتمعي ، ستنهال عليه الردود والسباب (من البعض) ليجد هؤلاء بعض الفتاوى و بعض الاقوال العتيقة لتبرير هذا التخلف .
مما يدلل للإنسان الواعي ان مواقف نقد التخلف الفكري – فوق قدراتهم الذهنيه –
بهذا الصدد يقول د. محمد شحرور ؛ الشعب العربي شعب مخصي فكرياً، وقد تعاون على إخصاءه كل من رجال السلطة و رجال الدين ؟
فالشعوب العربية تتعلم من الحكام – السلاطين اموراً عجيبة بالضد من العقل والفكر و الضمير .
نجد مجتمعاتنا العربية منقسمة إلى عصبيات و مذاهب و طوائف و احزاب و (كل حزب بما لديهم فرحون) فينتج عنها التخلف و الحروب والبغضاء و الجهل و الفساد .
الفيلسوف طه عبدالرحمن -احد المفكرين في مجال التدوال الاسلامي العربي – يرى ان العرب يعيشون في أزمة فكرية ، تضرب فيها آراؤنا بعضها بعضاً في فراغ فكري أتى من موت أصاب الذهن والقلب معاً؟.
مما جعلنا حائرين تائهين لا اهداف لنا ، هذا واقعنا ، واقع تحت طائلة التقليد الذي يؤدي إلى الانكماش و التردد.
اما الباحث د مصطفى حجازي ؛ أستاذ علم النفس ومحلل سيكولوجية الانسان العربي المقهور ؛ يوجز بنية التخلف في العالم العربي بجرأة و شجاعة موجهاً النقد للمجتمعات العربية و اعتبرها مجتمعات ريعية ومجتمعات تحكمها العصبيات ، ووصف الزعماء العصبيين فيها ، انهم يلبسون افخر و ارقى الثياب الحديثة ، لكنهم يحملون عقلية بدوية ملوثه !
ويوضح بأن إنساننا العربي ليس مرجعياً، بل أنه خاضع لثلاثية تتحكم فيه ، ثلاثية العصبيات و الفقه الإصولي و الاستبداد ( الظلم )؟ وتحكم هذه الثلاثية من خلال تقييد الطاقات الحية و إخضاع الجمهور و جعله جمهور ( قطيعي )؟ والضغط عليه من خلال التنشأة الاجتماعية الاولى ، أي من خلال التربية الشعبية البيتية ، الابن الصغير يغرس فيه مشاعر التقصير فهو ملوّم مذنب دوماً؟،
اما الفقه الأصولي فيسعى إلى نشر التحريم او الفكر الذي يعني بالغيبيات والمحرمات والحلال و السعير و النار ؟
يقيدون الأنفس والعقول بالاستبداد و التحريم ؟ تبقى انت موضع شبهة بالأساس ، حتى تثبت براءتك من خلال التقرب للسلطان المستبد.
نحن لم نتقدم للأمام ولم نعمل نقلة نوعية، لانه لازال باذهاننا تعشعش عقلية خدمة الحكام – السلاطين و الفقه الأصولي على الاقل من ٩٠٠ سنه ؟
يوضح المفكر د مصطفى حجازي ؛ طريقة الحكم عند الدول العربيه ؛نحن محكومين بعقلية السلاطين و عقلية الزعامة و ليس عقلية النيابه ! عندنا فقط (زعماء احزاب ) ولا يوجد نواب ممثلين حقيقيين للشعب .
عندنا في الدول العربية عملية ( مبايعه)؟ وليست انتخابات
الناس (تهرول) تركض وراء الزعيم حتى ( تبايعه) في تبعية للزعيم – الرئيس – الوزير – النائب – عندنا زعامات يتبعها ( قطعان ) راسخ في عقولهم تبعية الحاكم ؟
الناس عندنا تحول النائب – الوزير .. الخ إلى زعيم غصباً عنه ؟ تهرول لبيت المسؤول و تهوس و تصرخ له بالولاء والتبعية ( بالروح بالدم نفديك يا زعيم ؟)
في اوربا و الدول المتحضرة مثل اليابان و غيرها ، ليس هناك صراخ وهوسات بالروح بالدم نفديك يا رئيس ؟ هناك برامج انتخابية واضحة تطرح امام الشعب – يمين – يسار .. الخ ، و أشخاص يمثلون هذه البرامج الانتخابية .
نحن بالدول العربية عندنا شخصيات فقط ! لا وجود للبرامج ( شئ هامشي )ليس له قيمه ؟ قشري
يوهمنا هؤلاء الزعامات بانهم بنوا بلد ؟ وهم يبنون كيان ذاتي لهم فقط ؟ يصادروا البلد لهم فيصبحوا ( هم ) البلد ؟
كل الابداع والصناعات والاختراعات الراهنة بالغرب المتحضر قائمة على النقد ( النقض) و التجاوز، وحتى فكرياً ثقافياً وسياسياً ودينياً مع هذا ليس هناك نظريات ثابتة وأبدية ، هناك تغيير و ابداع وابتكار واختراع جديد .
مما يؤسف له ان (بقيت) الشعوب العربية مقيدة بالاستبداد و سجن العقول وتعودوا ( انهم ) غير قابلين للتطور الحديث ؟
فالحكام في مجتمعات العصبيات يحققون من خلال الدكتاتورية المطلقة إحكام القبضة مرةً بالإكراه والإستبداد ومرة ثانية باستخدام ( الغذاء ) لقمة العيش كوسيلة للهيمنة’ و ترسيخ الشمولية و سياسات التجهيل والفرقة و التخلف ، و تترك الشعوب حائرين لا اهداف محددة لهم ، فالتخلف عندنا له بنية ذهنية ويحتاج إلى الثقافة والتوعية و تحويله تدريجياً تدريحياً مثل شعوب العالم المتحضر المزدهر المنتج الواعي .
كاتب عراقي مقيم في النرويج
هل العالم أصبح أكثر أمناً ؟
ناجي سلطان الزهيري
جملة كررها الرئيس الأمريكي دولاند تراب وبعض من أعضاء حكومته بعد أغتيال الشهداء قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من كانون الثاني هذا العام ، بعد ذلك شاهدنا العكس ، العكس تماماً ، فالعالم ذهب الى المجهول وعدم وجود الحلول ، كورونا اصابت العالم وشلّت الحركة ، حركة كل شيء في السماء وفي الأرض ، كل شيء تغيّر حتى أدق التفاصيل ولليوم لا أحد لديه مخرج من هذه الجائحة المصيبة ، أمريكا في صدام مع الصين وهناك توقعات وتحليلات وآراء بحرب قادمة عسكرية أو باردة ، يعني أزمة أخرى ليست بأقل أهمية من جائحة كورونا ، ثم العنف المتصاعد في الداخل الأمريكي ، إنتشار الفوضى وخروج الأمور عن السيطرة ، أحداث العنف تتصاعد وتسري كالنارِ في الهشيم وأنباء عن نقل ترامب الى ملجأ رحت الأرض ونزول الجيش الى المدن وحضر تجول في أغلب المدن الأمريكي وعمليات سلب ونهب وحرق يقابله قمع مفرط وإعتقالات بالآلاف وإتهامات متبادلة ووضع منظمات أمريكية في قائمة الإرهاب مثل ( حركة أنتيفيا ) ونزول مسلحين مجهولين الى الشارع ، الشرخ توسع بين المجتمع الأمريكي المفكك أصلاً وخاصةً بين السود والبيض ، المظاهرات والإحتجاجات ضد سياسة ترامب والإدارة الأمريكية انتقلت الى بريطانيا وألمانيا حيث شهدت هاتان الدولتان مظاهرات واسعة بهذا الخصوص ، كل هذا حدث ويحدث بعد عملية الإغتيال قبل خمسة أشهر وإدعاء ترامب بأن العالم اصبح اكثر أمناً ، أنا هنا لا أعزوا مايحدث الى عالم الغيب أو أجزم بأن الشهداء ( يشورون ) أو أن مايحدث هو عمل غيبي عقابي ، أبداً فهذا أمر الله أعلم به ، لكني أتسائل فقط ، هل العالم الآن أكثر أمناً ؟ هل أمريكا نفسها أصبحت أكثر أمناً ؟ ماهو رأي المطبلين والمصفقين لهذه الكذبة ؟ وهل ان الإعتداء والتجبر والطغيان وسفك الدماء يؤدي الى الأمن ؟ وهل أن أمريكا القادمة هي كما كانت بجبروتها وعجرفتها وإستهتار إدارتها وتحديها لكل العالم ؟ أمريكا وغيرها ليست بإستثناء من سنن الكون والتاريخ ، إمبراطوريات اكبر من امريكا تفككت واندثرت وجاءت غيرها واندثرت ، لم ولن يبقى شيء على حاله والحياة تدور وتتغير ويدور ويتغيّر معها كل شيء .
الضاري وشيوخ الوسط والجنوب.. بين (العشرين)و(الشعبانية)
ناجي سلطان الزهيري
قامت الدنيا ولم تقعد يوم امس في المناطق الغربية ( السنيّة )،وصدرت البيانات والتصريحات والتنديدات والشجب من شيوخ عشائر واحزاب وحركات سياسية وعشائرية تندد بما ذكره الشيخ قيس الخزعلي أمين عام عصائب اهل الحق في كلمته بمناسبة مرور مائة عام على ثورة العشرين ، انا لست بصدد تحليل ماقاله الشيخ الخزعلي فهذا تاريخ والتاريخ لايرحم أحداً ، لكنني بصدد الضجة التي حدثت من قبل سُنّة العراق وحركاتهم السياسية والعشائرية، ومن بعض ( شيوخ عشائر شيعية ) ،وترويج ذلك من بعض القنوات الفضائية المعروفة بطائفيتها وانحيازها ، هذه الضجة التي حدثت والتي تدّعي التجاوز على الشيخ ضاري وحقيقة مشاركته في ثورة العشرين لم نشاهد لها مثالاً واحداً على الأقل من قبل عشائر الوسط والجنوب او القوى السياسية الشيعية عندما تعرض ويتعرض شيوخ وعشائر الوسط والجنوب الى تجاوزات يومية ومتكررة عند ذكر الإنتفاضة الشعبانية المجيدة من قبل سياسيين سنة كُثْرٍ، وعلى رأسهم صالح المطلگ ،عندما وصف ثوار الشعبانية ب ( الحرامية وقطاعي الطرق ) والجميع يعرف ان منهم الحاج كاظم الريسان وشيخ آمر شعلان ابو الجون وشيخ حسين الرباط والشيخ ياسين الرميثي وساجت الدوخي وظاهر العجيل وذياب الحربية ،وشيوخ عشائر البصرة من الأحلاف والإمارة وشيوخ الناصرية من بني اسد وآلزيرج والحربية وآلجويبر والحسن والنواشي ،وغيرهم، وكذلك شيوخ وعشائر الفرات الأوسط من الظوالم وبني حجيم ،وعشائر وسادة النجف والحلة وكربلاء من شيوخ عشائر طي وغيرهم ، كل هؤلاء وماتعرضوا له من إساءة متكررة وعبر القنوات الفضائية لم تحرك ساكناً عند ( شيوخ الجنوب والفرات الأوسط ) ولا عند سياسيي الشيعة ،على الأقل للدفاع عن تاريخهم المشرّف الذي تحاول اطراف كثيرة طمسه وإلغاءه بل تحويله الى صفحة سوداء في تاريخ العراق ، لا اعرف لماذا يبقى الجمهور الشيعي منقاداً لإعلام همّه النيل منهم ومحاولة سلب كل ماهو ايجابي وبطولي في تاريخهم ؟.. لا أعرف معنى أن نستهدِف نحن ايضاً تاريخنا ونحاول تشويهه بينما يدافع الآخرون عن تاريخهم وقادتهم بغض النظر عن مايحوم حول ذلك التأريخ من شبهات ؟ ..حاولوا بكل وسيلة وبكل الطرق الخبيثة شيطنة الإنتفاضة الشعبانية التي أذلت الدكتاتورية وجلاوزة النظام البعثي المقبور،والتي قُمعت بتآمر مفضوح في (خيمة صفوان)، وحاولوا سلب وطنيتها ونعتوهم (رفحاويين) ،ولم ينعتوا الآخرين بالأنفاليين او الحلبجيين، رغم ان القانون يسميهم ثوار الإنتفاضة الشعبانية ، لايريدون ان يعترفوا ان هناك ثورة شيعية ضد الظلم ، لايريدون ان يسجل التاريخ هذه الثورة ، حتى هذه يريدون مصادرتها ، ورغم ان قانون السجناء السياسيين المعدل الذي شملهم قد وصفهم (ثوار الأنتفاضة الشعبانية )، لكنهم يحاولون ان لايذكر هذا الأسم ، في حين يجَمِّلون التسمية عندما يذكرون الأجهزة القمعية فيسمونها ( الأجهزة المنحلة ) ، اين تقع المشكلة وعقدة النقص والضعف ؟..أهي فينا أم في الطرف الآخر ؟ ..كيف يحترم الآخرون تاريخنا وامجادنا إذا كنّا نحن من يساعد على طمسه واتهامه بل وإهانته ؟ ..هل نحتاج الى صحوة ضمير لنفهم اننا سبب رئيس
في ما نتعرض له من اهمال واذلال في بعض الأحيان ؟ الشعوب التي لاتصنع قدراً ومهابة لنفسها لا تهاب .
ذي قار ( ولدچ عيّاله )
ناجي سلطان الزهيري
أشهر عديدة ونحن نقرأ ونشاهد آلاف المواقع والقنوات والقصائد تتغنى بالناصرية و( ثوارها ) وشهدائها وحتى نيرانها الملتهبة ، حتى صارت نداءات الى ان تتحول ساحة التحرير من بغداد الى ساحة الحبوبي ، إعتبروها ام العراق وشعلة العراق وأم الثورة وما الى ذلك من الصفات الثورية ، الناصرية صارت حديث العراق وقنواته وشعرائه ومواقعه على التواصل الإجتماعي ، فجأةً انقلبت الحال وتُركت الناصرية تصارع الموت بدون ناصرٍ ولا معين ، أعلى نسبة من الوفيات في العالم ونقص حاد بالأوكسجين والمعدات واجهزة التنفس وبُح صوت أهلها وناشطيها بدون أن يسمعها أحد ، أخرست كل تلك الأصوات التي كانت بالحقيقة تحرّض وتدفع ابناء الناصرية الى الموت لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية تبينت فيما بعد ، الناصرية العظمية تُركت وحدها إلا من ابنائها البررة الذين وقفوا وقفة رجل واحد وتناخوا فيما بينهم وشدّوا العزم على مساعدة من يحتاج المساعدة ولم يعتمدوا على احد ولا على الأصوات النشاز التي كانت( تلعلع ) بكل صغيرة وكبيرة ، الأكثر غرابة ان ماحدث ومايحدث في الناصرية واقضيتها من ازمة أوكسجين ونقص بالخدمات وارتفاع معدل الوفيات والذي تناقلته مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام لم ( يهز ) ضمير الحكومة وتكلف نفسها ولو بزيارة وكيل وزير للإطلاع على الأزمة من موقع الحدث وتركت ذلك الى مجاميع شعبية أخذت على عاتقها تزويد المستشفيات بالأوكسجين والأجهزة والغذاء وحتى أسرّة المرضى والتي اعتمدت على تبرعات ابناء المحافظة ورجال أعمال( بإستثناء معدات ومعمل أوكسجين ومستشفيات ميدانية قدمتها العتبة العباسية والحشد الشعبي ) مشكورين ، الغيارى ابناء ذي قار لم يفاجئهم ماحدث ابداً ،فالتمييز المناطقي ليس بجديد على حكومة الإتحادية،والإهمال الذي تتعرض له المحافظة ليس وليد الساعة ،بل هو امتداد لما سبقه من حكومات ، ذي قار ستبقى عصية على الفاسدين والإستبداديين كما كانت وسيبقى وِلْدُها ( عيّاله ) ولو بطرق أخرى، وستبقى تردد ( اسمع ذي قار شگالت ) حيث قالت كلمتها ورفعت حملها بنفسها دون صراخ المواقع وابواق القنوات الفضائية وضجيج الأقلام مدفوعة الثمن .
اسئلة في مقال
ناجي سلطان الزهيري
لماذا حدثت مظاهرات أو انتفاضة اكتوبر ؟ ماذا كانت الأهداف والمطالب ؟ اين ذهبت تلك الجموع والخيم والستوتات والتكاتك والدراجات النارية ؟ اين اختفت افواج مكافحة الدوام ؟ كيف اختفت آلاف المواقع الألكترونية والصفحات الفيسبوكية والتويترية التي كانت تدعم ( الثورة ) ؟ لماذا اختفت البرامج والحوارات عن شاشات القنوات التلفزيونية المختلفة ؟ لماذا سكتت الأقلام عن كتابة المقالات والتحليلات والتوقعات ؟ لماذا توقفت الدعوات بكشف ومحاسبة قتلة المتظاهرين ؟ أين ذهبت التنسيقيات ؟ اين وصلت الدعاوى التي رُفعت على ( القتلة والمتآمرين ) والتعهدات التي قدّمت ؟ هل الهدف كان حكومة عبد المهدي وكفى ؟ هل انتهى الهدف من التظاهرات ؟ هل تحققت مطالب الثوار ؟ هل ساوم احد على الإنتفاضة ؟ لماذا لم يُرفع شعار ( مرفوض باسم الشعب ) على السيد مصطفى الكاظمي كما رُفع على غيره رغم انه جاء بالطريقة نفسها التي جاءت بها الحكومات السابقة ؟ هل الكاظمي مرشح التظاهرات ؟ هل المتظاهرين راضون عن الكاظمي الآن ؟ لماذا اختفت البيانات التي كانت تصدر عن كل حدث او قرار حكومي مركزي أو محلي رغم كثرة الأحداث ؟ من كان يُصدر البيانات والإعتراضات ورفض المرشحين ؟ اين اختفت الصحف والإذاعات الخاصة التي صدرت من ( الساحات ) ؟ أين هي الساحات أصلاً ؟ من كان يديرها ؟ من يدعمها ؟ من يمولها ؟ من أوقفها فجاةً بدون حتى بيان ؟ ماهو موقف الشباب المتظاهر ؟ هل يظن بعضهم انه خُذِل ؟ هل هناك من يندم على خروجه ؟ هل ان التغيير الذي حصل هو بحجم الدماء التي أريقت ؟ وأخيراً هل حصل المنتفضون على وطن ؟ اتمنى ان تكون الأجوبة والردود والتعليقات بحجم الأسئلة وأهميتها .
سلطان هلوم الزهيري ..
وليد خيون زاجي
هذه الحلقة قبل الاخيرة من السلسلة التي تناولت فيها شهادات وسير ذاتية لشهداء الانتفاضة الشعبانية المجيدة , اليوم سنتناول سيرة الشهيد المغيب سلطان هلوم نعيمة شلاش الزهيري المولود في سوق الشيوخ من عام 1935.
عام 1952 ألتحق بالخدمة العسكرية الالزامية , تسـرّح بعد خدمته في عدة وحدات عسكرية في الناصرية والديوانية , رجل عاش محبا للحياة والناس , كغيره من أبناء جيله , فلم يخاصم أحد , لم ينافس أحد , احتفظ بعلاقة متوازنة مع الجميع , فقد كان يحظى بعلاقات وطيدة مع العديد من ابناء المدينة ومن شيوخ العشائر والشخصيات والوجوه المعروفة فيها .
تعلّم الخياطة في مرحلة الصبا في محل والده المرحوم هلوم الزهيري الذي كان من قدامى الخياطين في المدينة , وعمل خياطا مع المرحوم أبراهيم المحفوظ لفترة قصيرة وكان يٌتقن خياطة ( الصاية والسترة ) , بعدها أستأجر محل في سوق الخياطين مجاور لمحل المرحوم السيد كاظم طاهر والمرحوم كاظم السلمان , وعمل معه المرحوم حسن عبود ابو سعد , الذي بقي وفيا لتلك العلاقة حتى وفاته رحمه الله .
عام 1956 سافر الى الكويت , الى الارض التي كانت أنذاك قبلة للباحثين عن العيش الرغيد والحياة المستقرة والمستقبل الآمـن , واستقر هناك لفترة ورزق هناك بمولودة البكر السيدة الفاضلة الاخت ام علاء .
عاد الى سوق الشيوخ وعمل في اعمال تجارية مختلفة , ووجد في العمل في حقل الدواجن فرصة جيدة مع تقديم الدعم و القروض بتسهيلات دفع مُيسّرة لمربي الدواجن , وبقي يتردد على الكويت بين فترة واخرى , يقيم في منزل أخيه المرحوم نعيمه وفي بيوت اولا خاله الأخوين محمد وحمد رهيف عجيمي , الى جانب أولاد عمومته عبد الرحمن وجراد الحاج ربيح , حيث كان محط اهتمام وأحترام وترحاب عندهم دوما .
قرن من الزمان في سوق الشيوخ لم يُغير من طباعه , فقد بقــي ( عُـربي ) كريما , الولادة والعيش في المدينة زادته قدره وأنفتاح في التعامل مع الاخرين , ودودا محبا للناس و( خدوما ) للبسطاء وسكان البادية في قضاء معاملاتهم في دوائر الدولة , فالكثيرين منهم يفتقـر للوثائق الشخصية , وغدا بيته في شارع ( البدور ) وجهة للعديد من أبناء عمومته ومعارفه واصدقاءه .
هذه حياة الشهيد المغيب أبو هادي , تقليدية وبسيطة , لم تعنيه السياسة يوما , ولا هي من أهتماماته , قـد يتفاعل مع حدث أو موقف ما , لكنه يحاول دوما النأي بنفسه عن الخوض فيها .
أبو هادي أعتبر أندلاع الانتفاضة الشعبانية فرصة للتغيير كما حِلمنا جميعا , لكنه شعر بالخيبة والخوف بعد دخول الجيش الى سوق الشيوخ , خوفه على المدينة واهلها وعلى أولاده اللذين كان لهم دورا فيها , لكنه أدرك أن الوضع العام بأتجاه الاستقرار مع عودة الحياة الى الاسواق والشوارع , وتلقى معلومة مؤكدة عن وجود الاخ هادي في ( بصيـه ) , لذا فقد حزم أمره وتوجه الى ناحية ( بصيْه ) للعودة بأولاده , وقد رافقه في هذا المسعى الاخ فائق ذياب الكناص للعودة بأخيه أيضا , وصلا الى ( بصيْه ) وعاد الاخ هادي مع والده مسرورين يوم 27 أذار / 1991, لكن الاخوين ناجي وراجي كانا في طريقهم الى الحدود السعودية ليبدئا رحله أخرى.
في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31 اذار , أقتيــد الخال ابو هادي من بيته من قبل مفرزة من مديرية أمن سوق الشيوخ , دوافع الاعتقال جاءت بأعتماد ضابط الامن على تقرير قدمه أحد أفراد مديرية الأمن يقوله فيه (( بأن عدد من شيوخ العشائر المشاركين في الانتفاضة كانوا يترددون على بيت أبو هادي مما يؤكد دعمه ووقوفه معهم )) , هذا ما صرحه به ضابط الأمن لأحـد الاشخاص الذي تدخـّل لأطلاق سراحه , في اليوم التالي الاول من نيسان ألتقــى المرحوم الشيخ حسن ال منصور والمرحوم ياسر الحسين والاخ هادي مع رشيد فليــح مدير أمن محافظة ذي قــار , الذي أبلغهم بتسفير كل الموقوفين ليلا الى سجن الرضوانية في بغداد .
فجع شارع ( البدور ) بتغييب الخال سلطان هلوم والاخ طاهر الحاج عباس محمد , هذا الشارع لم تحصل به تغييرات بنيوية كالانتقال أو التوسع لذا فلا زال محافظا بالقدر المعقول على المعايير التي أرساها الاجداد عند عودتهم من الخميسية في عشرينيات القرن الماضي , كما أنهما بريئان من أي سلوك قد تعتبره السلطة مخالف ومهدد لها .
وفي 8 كانون الثاني 1993 , قدم الاخ هادي طلبا لمقابلة مدير جهاز الامن الخاص قصي صدام حسين , الطلب قدمه في مكتبه في بوابة القصر الجمهوري من جهة مستشفى الطفل العربي , بعد شهرين كاملين تلقى الموافقة على قبول طلب المقابلة بتبليغــه من قبل مختار محلة الاسماعيلية ( حمود كريدي ) , في اليوم التالي سافر الى بغداد للمقابلــة .
قصي صدام حسين القبضة المخملية للعائلة الامنية , والمعجب بسمفونية ( حلاق أشبيليه) لجواكينو روسيني المصاحبة لبرنامج ( الرياضة في أسبوع ) , حتى انه رفض تغيير تلك السمفونية بأخرى في الاستفتاء الذي أجراه الاسـتاذ والاعلامي الكبير مؤيد البدري .
لم تٌسفر المقابلة مع قصي صدام حسين عن نتيجة ملموسة , لكنها تبقى جهدا وسعيا نبيلا , وحجه للتأريخ وعلى النفس , فالغياب كان قاسيا ومؤثرا على العائلة كلها .
سقط الدكتاتور وحزبــه وأجهزته الامنية , أنفتحت كل المغاليق , ظهرت جرائمه وساديته , رافق ذلك الامل بوجود أحياء في السجون المعروفة والسرية , لكن لا جدوى من البحث في القبور الجماعية المنتشرة على طول البلاد وعرضها .
عَلم أهالي الضحايا عن وجود مقر في منطقة المحيط على نهر دجلة في الكاظمية , جُمعت فيه كل وثائق الاجهزة الامنية وجـد الاخ هادي أسم والده في التسلسل 17507 مع الاشارة بأنه قد أعدم عام 1991 , بعدها تسلم كتاب تأييــد من جمعية السجناء / المقر العام المرقم 2897 في 28 اذار 2005 الى محكمة أحوال سوق الشيوخ للحصول على مقتبس حكم .
أنتهى فصل دامي , ليبدأ فصل أخر كان أكثر أيلاما , فبعد سقوط النظام في نيسان 2003 تقدم شخصان معروفان بشهادة جديدة تؤكد أن عضو فرقة حزب البعث المدعو ( ح. ح . ع ) هو من تَسـبب في أعتقال وتغييب المرحوم سلطان هلوم الزهيري , وانهما مستعدان للشهادة أو أداء اليمين عن تلك الواقعة .
صدمت العائلة مرة أخرى بهذا الخبر , فهي لم تستفيق بعد , فهذا الشخص ( ح . ح . ع ) يحظى بعلاقات طيبة مع سكنة المنطقة والشارع وقد عبر في أكثر من مناسبة عن حزنه وألمه لما تعرض له المرحوم أبو هادي , بالطبع هو رفض تلك التهمة الموجه اليه , لكنه أمام شاهدين موثوقين لم يتمكن من المواصلة , فلجأ الى دفع ( الدية ) لعائلتي الضحيتين البريئتين .
ستلاحقه لعنات الضحايا حتى قيام الساعة هو وأسياده وحزبــه الخائب …
لازالت هناك مقابر جماعية لم تفتح بعـد لأغراض سياسية وطائفية دنيئة .